فلسفة المنطق و العقل السيكولوجي - تقديمية خاصة
كان مما لفت نظر الإنسان وأيقظ رأيه واسترعى بحثه ومرَّن فكره — كما ذكرنا — هذا العالم الذي تنوعت أشكاله وتغيرت ظواهره، الحافلُ بمناظره، المحيرُ بألغازه، الذي بهر العقول بجماله وروائه، وقد كان أول باعث على أن يفكر فيه تفكيرًا فلسفيًّا رغبته في فهمه وإخضاعه لأمره، وما اعتراه من الدهشة التي أخذت بحواسه، لذلك بدأ الإنسان بالفلسفة الطبيعية التي تميل بالمرء إلى حل معميات هذا العالم، وتلا النظر في العالم المادي ما هو أهم للإنسان؛ وهو النظر في نفسه. أثبت العلم أن الأرض ليست إلا كوكبًا صغيرًا سيارًا يدور في فضاء غير متناهٍ، ومع هذا فالإنسان من قديم الزمان إلى الآن لا يزال يرى نفسه خير موجود في الدنيا، ومهما اقتنع بأن القبة الزرقاء التي تتلألأ بالنجوم لم تخلق من أجله، وأن السيارات غير الأرض مسكونة كأرضه، فلن يعدل على أن يعتقد في نفسه أنه أرقى مخلوق، والسبب في هذا أن ارتقاء عقله جعله يشعر تدريجيًّا بوجوده وبعلمه — أو بحاجته إلى العلم — وبشعوره ورغباته وأفكاره، وبأن له قدرة على أن يبدي أفكاره، وأن يفضي بها إلى غيره، وعلى الجملة جعله يدرك أنه وحده عالَمٌ في عالَمٍ. دعته دواعٍ لأن يعرف فاجتهد ف...