المنهج الرياضياتي بين الإكسيوماتيكية و البداهة اليقينية

تحدث المشتغلون بتاريخ العلوم والإبستمولوجيا عن تحول كبير في تاريخ الرياضيات، حدث بعد ما يسمونه بأزمة الأسس التي وقعت خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر للميلاد ; فقد كانت المعرفة الرياضية قبل ذلك توصف بالصناعة الصحيحة اليقينية في منطلقاتها الأولية ، و الدقيقة في نتائجها . وذلك منذ وضع أوقليدس (المتوفي حالي 265 ق. م. بالإسكندرية بمصر ) كتابه الشهير “الأصول” Les éléments ، لكن البحث الإبستمولوجي في مسألة معيار اليقين في الرياضيات كشف أنه ليس معيارا واحدا بين الرياضيات الأقليدية والرياضيات المعاصرة ، ذلك أن الرياضيات الأقليدية ظلت تعتقد جازمة ببداهة مبادئها ، و ترى فيها النموذج الوحيد للصدق المطلق واليقين القطعي، أما الرياضي المعاصر فلا تهمه المبادئ ذاتها من جهة طبيعتها البديهية، وإنما يهمه وظيفتها في بناء النسق الرياضي والتماسك المنطقي لهذا النسق في مجمله، أي أن عدم تناقض المقدمات مع النتائج هو معيار اليقين في الرياضيات ، فهل معيار اليقين في الرياضيات يتمثل في بداهة مبادئ النسق العلمي و وضوحها أم في اتساق نتائجه مع مقدماته ؟ ذلك ما أطمح إلى تبيانه في هذا المقال ، من خ...